سوريا

الإسلاميون الجدد في سوريا : بين الخصخصة وإعادة الهيكلة: هل  تنجح خططهم؟

مع وصول القيادة الإسلامية الجديدة (أو كما يسميها البعض الإسلاميون الجدد) إلى السلطة في سوريا، بدأ الحديث عن إصلاحات جذرية تهدف إلى إنقاذ الاقتصاد المنهار. وتشمل هذه الإصلاحات خصخصة الشركات المملوكة للدولة وتسريح أعداد كبيرة من الموظفين الحكوميين، في خطوة تهدف إلى تقليل الهدر ومكافحة الفساد الذي تفشى خلال عقود من حكم عائلة الأسد.

غير أن هذه التغييرات السريعة أثارت احتجاجات بين العاملين في القطاع العام، وسط مخاوف من تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، خاصة مع احتمال استخدامها كأداة لتصفية حسابات سياسية وطائفية.

تحول اقتصادي جذري: من الدولة المركزية إلى السوق الحرة

لطالما كان الاقتصاد السوري قائمًا على النموذج المركزي الذي فضل الدائرة الضيقة من الموالين للنظام. إلا أن وزير الاقتصاد الجديد، باسل عبد الحنان، أكد أن الاتجاه الحالي هو نحو اقتصاد سوق حرة أكثر تنافسية.

وفي هذا السياق، تعتزم الحكومة الانتقالية، بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، خصخصة 107 شركات صناعية كانت تعاني من الخسائر المستمرة، مع الإبقاء على أصول الطاقة والنقل تحت إدارة الدولة باعتبارها قطاعات استراتيجية.

الفساد الإداري: حملة تطهير أم تصفية حسابات؟

كشف وزير المالية محمد أبازيد عن نتائج مراجعة حكومية أظهرت أن 400 ألف موظف حكومي يتلقون رواتب دون أداء أي عمل حقيقي، وهو ما اعتبره مؤشرًا خطيرًا على تفشي الفساد. ولذلك، تعتزم الحكومة الجديدة تقليص عدد العاملين في القطاع العام بشكل كبير، وهي خطوة أثارت قلقًا واسعًا بين الموظفين.

في هذا السياق، بدأ تسريح عدد من الموظفين الحكوميين، بمن فيهم جنود سابقون قاتلوا لصالح النظام. وعلى الرغم من تبرير الحكومة بأن هذه الخطوة تستهدف تحسين الأداء الإداري، إلا أن البعض يرى فيها محاولة لإعادة تشكيل القوى الوظيفية وفق اعتبارات سياسية وطائفية.

إدلب كنموذج اقتصادي: هل يمكن تعميم التجربة؟

تسعى الحكومة الجديدة إلى استلهام تجربة إدلب، التي خضعت لحكم هيئة تحرير الشام منذ 2017، حيث شهدت ازدهارًا اقتصاديًا نسبيًا بفضل تقليل البيروقراطية وتشجيع الاستثمار. إلا أن تعميم هذه التجربة على مستوى البلاد يواجه تحديات كبيرة، أبرزها العقوبات الدولية المفروضة على سوريا والتي تعرقل أي جهود لجذب الاستثمارات الأجنبية.

الخبيرة الاقتصادية مها كاتا أكدت أن إعادة هيكلة القطاع العام خطوة منطقية، لكنها تساءلت عن مدى جدواها في ظل اقتصاد مدمر يحتاج أولًا إلى إعادة البناء وخلق فرص عمل.

بين الإصلاح والصدام الاجتماعي: هل تفلح الحكومة في امتصاص الغضب الشعبي؟

لمواجهة تداعيات هذه الإصلاحات، أعلنت الحكومة عن زيادة كبيرة في الرواتب الحكومية بنسبة 400%، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي. كما وعدت بتقديم مكافآت نهاية الخدمة للموظفين الذين سيتم تسريحهم أو إبقائهم في منازلهم ريثما يتم تقييم الحاجة إليهم.

لكن هذه الإجراءات لم تمنع اندلاع احتجاجات في عدد من المدن السورية، مثل درعا واللاذقية، حيث رفع المتظاهرون شعارات تندد بالتسريح التعسفي وتطالب ببدائل اقتصادية حقيقية تضمن العيش الكريم.

الرقمنة لمحاربة الفساد: هل تنجح الحكومة في بناء نظام شفاف؟

إحدى الخطوات التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها هي رقمنة سجلات الموظفين، حيث كشفت عمليات التدقيق الأولية عن غياب قاعدة بيانات موثوقة للعاملين في القطاع العام. تعمل الحكومة حاليًا على إنشاء سجل رقمي دقيق، وهي خطوة يرى فيها البعض أداة فعالة لمحاربة الفساد، بينما يخشى آخرون من استخدامها كوسيلة لمزيد من الإقصاء السياسي.

هبا بعلبكي، المتخصصة في الرقمنة بوزارة العمل، وصفت هذه الخطوة بالمفاجئة والمشجعة، مؤكدة أن الإدارة السابقة كانت تعرقل مثل هذه الجهود، مما أتاح للفساد أن يستشري دون رقابة حقيقية.

مستقبل مجهول: هل تنجح الحكومة الجديدة في تحقيق الاستقرار؟

رغم تأكيدات الحكومة بأنها تعمل على إرساء أسس اقتصاد أكثر استدامة، إلا أن الطريق لا يزال مليئًا بالعقبات. فبين الضغوط الدولية، والتحديات الاقتصادية، والاحتقان الاجتماعي، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة الإسلامية الجديدة تحقيق توازن بين الإصلاح والاستقرار، أم أن هذه السياسات ستؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في بلد أنهكته الحرب؟

اقرأ المزيد أمير قطر يفتح فصلاً جديدًا في العلاقات مع سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!