قدم وديع الصافي الفن بأسلوب فريد وخاص، حتى أصبح مدرسة في فن الغناء والتلحين وبفضل شهرته الواسعة وأدائه الاستثنائي، كان له الحق في أن يكون رمزاً للفن في لبنان والمنطقة العربية، مرتبطاً بأسماء لبنان وجباله الشامخة.
من هو وديع الصافي
وديع الصافي، عملاق الفن في لبنان والعالم العربي، كان مطرباً وملحناً لبنانياً وممثلاً وكاتباً، وُلد في الأول من نوفمبر عام 1921 وتوفي في الحادي عشر من أكتوبر 2013.
اسمه الحقيقي وديع فرنسيس، وعاش في طفولته أوقاتٍ صعبة وصفت بالفقر والحرمان؛ في عام 1930، انتقلت عائلته إلى بيروت حيث التحق بمدرسة دير المخلص الكاثوليكية، وبعد ثلاث سنوات، اضطر للتوقف عن الدراسة بسبب شغفه بالموسيقى وضيق ذات اليد في عائلته، فكان عليه أن يساعد والده في معيشة الأسرة.
انطلقت مسيرته الفنية في عام 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى في مسابقة للإذاعة اللبنانية، حيث قدّم أداءً غنائياً وأداءً موسيقياً رائعاً، من خلال أغنية “يا مرسل النغم الحنون”، والتي كتبها الأب نعمة الله حبيقة آنذاك.
وقد شكلت لجنة التحكيم التي اختارته فناناً، والتي ضمت “ميشيل خياط، سليم الحلو، ألبير ديب، ومحيي الدين سلام”، اتفاقاً على تسميته بـ “وديع الصافي” باعتباره اسماً فنياً يليق بصوته النقي الذي كان نادراً في تلك الفترة.
مسيرة وديع الصافي الفنية
كان للشاعر أسعد السبعلي دوراً مهماً في الأغاني الخالدة لوديع الصافي، حيث كتب له العديد من الأغاني التي أسهمت في ترسيخ مكانته في عالم الفن؛ وبدأت تلك الشراكة الفنية بأغنية “طل الصباح وتكتك العصفور”، واستمرت لاحقاً بالعديد من الأعمال الناجحة.
ومن بين أشهر أغانيه “الليل يا ليلى يعاتبني” التي ارتبطت بذاكرة الجمهور وشارك وديع الصافي مع العديد من الفنانين وقام بأعمال مشتركة مع موسيقيين مختلفين، بهدف تنمية الأغنية اللبنانية وإبراز أصولها الفولكلورية، ومن بين الفنانين الذين عاصرهم وتعاون معهم في تلك الفترة: فيلمون وهبي، والأخوين رحباني، وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وغيرهم الكثير.
مع بداية الحرب اللبنانية، اضطر وديع الصافي لمغادرة لبنان وانتقل إلى مصر ثم إلى بريطانيا، لكنه استقر في باريس كرد فعل على ما كانت تشهده بلاده من حروب ودمار.
في تلك الفترة، تحوَّل اهتمامه نحو تأليف الألحان القومية التي عكست معاناته وويلات الحرب وأحد تلك الأعمال هي أغنية “يا بني” التي دعت إلى حب الوطن والدفاع عنه.
في عام 1989، كُرم وديع الصافي في حفلة خاصة بالمعهد العربي في باريس بمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقته الفنية ومسيرته الرائعة.
في عام 1990، خضع لعملية قلب مفتوح وعلى الرغم من ذلك، لم تؤثر العملية على إبداعه الفني، بل استمر في تلحين وغناء أعماله وقام بعد ذلك بتقديم ديو غنائي مع شمس الغنية نجوى كرم بعنوان “وكبرنا”. كما أحيى العديد من الحفلات الغنائية وقام بتأليف أغاني جديدة تزخر بإبداعه الفني.
وفاة وديع الصافي
توفي وديع الصافي بسبب وعكة صحية أصابته أثناء تواجده في منزل ابنه في لبنان وأقيمت مراسم تشييعه في كاتدرائية مارجرجس في وسط بيروت، ودُفن في بلدته نيحا الشوفية.
حضر عدد كبير من الفنانين جنازته، وسار النعش محمولًا على الأكتاف في شوارع بيروت وسط تأثر كبير وحزن عميق لفقدان عملاق لبنان. قضى وديع الصافي أكثر من نصف حياته في الأداء والعطاء الفني، وترك خلفه تراث كبير من الأغاني والألحان التي جعلته يُلقب بصوت الجبل وبمطرب الآرز وبقديس الطرب.